لا ريب انّ الخطاب الشرعيّ موجّه
الى كلّ مكلف فقيه او غير فقيه و غير مختص بمكلف دون اخر، الا ان سعة اطلاع الفقيه
و خبرته بالنص يعطيه ميزة لا تنكر في ترجيح الادلة و بيانها و فهمها لكن هناك فرقا
كبيرا بين الترجيح و الفهم النوعي للدليل و بين الترجيح و الفهم الفردي له. اي انّ
هناك ترجيحا و فهما عاما نوعيا لو قام به اي احد لأدى الى النتيجة نفسها فلا يختلف
الاختيار و لا الفهم باختلاف الاشخاص الذين يقومون به، بينما الترجيح و الفهم الفردي يعتمد على الشخص
الذي يقوم بعملية الاختيار و الفهم فيختلف باختلاف الاشخاص الذين يقومون به.
من الواضح انّ مدخلية مقدمات كثيرة
في عملية ترجيح الادلة و فهمها عند المجتهد يجعل من العسر القول انّ ما يثبت عنده
من دليل و فهم هو دليل و فهم لغيره من مقلد و غيره، و خصوصا ان كثيرا من تلك
الامور بعيدة و غريبة عن المقلدين. وهذا هو الترجيح و الفهم الفردي للدليل و
الدلالة. و لهذا لا يمكن القول ان ما يثبت دليلا عند المجتهد هو دليل عند مقلده و
لذلك قيل بكفاية حجية الفتوى وعدم ضرورة كون دليل الفقيه دليلا لمقلده.
اما الفقيه المحدث و الذي يستعمل
الطريقة العادية العامة في ترجيح الادلة و فهمها بعرض الادلة على المعارف الثابتة
من الدين المعروفة لكل مكلف، و يفهمها بطريق عادية عرفية جدا من دون تكلف او تدقيق
عقلي و فلسفي، فان اختياره و ترجيحه و فهمه للادلة و الدلالة يكون نوعيا , لذلك
يمكن القول ان ما يثبت دليلا عند الفقيه المحدث هو دليل عند غيره من المكلفين. فدليل
المحدث دليل لغيره و لهذا يصح شرعا لكل مكلف التعبد بما يثبت دليلا عند المحدث و
ما يفهمه من الدليل.
و بسبب نوعية ترجيحات المحدثين و
فردانية ترجيحات المجتهدين نجد ان الاختلافات في الادلة و الدلالة قليلة او معدومة
بين المحدثين وكذا اقوالهم وفتاواهم بينما
هي كبيرة و احيانا كبيرة جدا دليلا و دلالة بين المجتهدين
وكذا حال اقوالهم و
فتاواهم.