من أهمّ الأمور التي قام عليها الدين هو عدم اعتبار الظنّ و عدم ادخاله
فيما هو حقّ، وهذا من الثابت من الشريعة قال تعالى (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ
شَيْئًا ) و قال تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ
الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) و لأجل الحقيقة النقلية للمعرفة
الشرعية بالنسبة لمن لم يعاصر النصّ، كان لا بدّ من ضوابط تميّز ما هو حقّ من
النقل من غيره.
فكان لزاماً تمحيص المنقول و
التدقيق فيه الا انّ ذلك يجب ان يكون وفق طريقة شرعية سليمة و ليس وفق استحسانات
بعيدة عن روح الشريعة. و لقد بذل المسلمون كلّ جهد لتمييز المعارف العلمية من الظنّية. و في
ضوء هذا العمل ظهر منهجان هما الاشهر لأجل تحقيق هذه الغاية؛ الاول وهو المنهج المشهور
الآن يقوم على تقييم الأخبار حسب السند
كأساس للقبول و الردّ وهو منهج أصحاب مصطلح الحديث و الآخر يقوم
على تقييم الأخبار حسب المتن كأساس للقبول و الردّ وهو منهج المحدثين.
لقد كنتّ في مرحلة من دراستي و من باب التقليد معتمداً المنهج السندي
الا أنني حينما بدأت أستقلّ بالفهم لمضامين القران و السنّة وجدت ان اعتماد "
مصطلح الحديث" و تقييم الاخبار بحسب السند لا يجد دليلا
قويا من القران و السنة، و أنّ الافضل و الاحوط و الاحق هو اعتماد التقييم المتني كأساس لقبول الأخبار و ردّها و عليه القران و السنة و
يصدقه أوامر تصديق المسلم و تصديق المعارف الشرعية بعضها لبعض و عدم الاختلاف و
التناقض. فالروايات مستفيضة و واضحة الدلالة على انّ اساس القبول و الرد
هو العرض على القران و السنة الثابتة و التي يمثل مضمونها ما رواه في قرب الاسناد
عن الحسين بن علوان عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: " قرأت في كتاب لعلي عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " أنه سيكذب علي كاذب كما كذب على من
كان قبلي، فما جاء كم عني من حديث وافق كتاب الله فهو حديثي، وما خالف كتاب الله
فليس من حديثي"