مفطرية الدخان في شهر رمضان
محمد الشباني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على خيرته من خلقه محمد وآله الطاهرين.
اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر.
رب اغفر لي ولوالدي و ارحمهما كما ربياني صغيرا.
من المواضيع التي يكثر الخلاف فيها مسألة استنشاق الدخان والتدخين في نهار الصوم وهل هو من المفطرات او لا والتدخين من الامور التي يختلف الناس تبعا لاذواقهم وطبائعهم فمنهم من يحرمه مطلاقا ويستدل بتحريمه على مفطريته وبعضهم لا يتصور انه لا يمكن ان يكون غير مفطر وبعضهم لهواه له يلتمس أي دليل لعدم مفطريته وبين هذا وذاك قد تكون أهواؤنا هي المحرك لاصدار الحكم وبعد ذلك نلتمس له البرهان والدليل.
فكم من الامور التي قد تختلف مع ما نميل اليه نحاول ان نلوي دلالة الروايات حتى توافق ميلنا وان كانت صريحة وظاهرة على خلاف ما نريد فالاجدر بنا ان نتجرد وان نرى الروايات ماذا تقول ونتبعها لا العكس.
ومن ذلك حكم الدخان في نهار الصوم وقد حاولت ان اضع في خدمتكم ما ورد واثير حول هذه المسألة في نهار الصوم وقد يستهجن البعض البحث او يعده تشجيعا على التدخين لا سامح الله بل هو عرض للادلة المحتملة ونقاشها وهل هو من المفطرات او لا وليس هو اصدار حكم او فتوى بل كما قلت عرض للادلة ونقاشها والمكلف امامه الدليل ونقاشه بكل احتمالاته المطروحة في المقام تقريبا والبحث غير متعلق في بيان حرمة التدخين او جوازه بل بمفطريته اذ لا ملازمة بين الحرمة والمفطرية على ما سنبينه خلال البحث واتمنى على الاخوة ان كان لهم تعليق ان يكون التعليق موضوعي ومستند للدليل فان كل من اصدر حكما يتحمل مسؤوليته امام الله . والله عز وجل هو الموفق.
التدخين من الاصطلاحات المستحدثة في الاعصار المتأخرة وهو استنشاق الدخان بالكيفية المتعارفة بين الناس الان من السكائر ونحوها وهو غير التدخين والتدخن بالبخور والحرمل والعود والتجمير الذي كان العرب يتطيبون فيه وان كان اصل المفردة يشير الى المعنى الثاني الا انها الان متعارفة ومستعملة في المعنى الاول
وهل ان المعنيين مختلفان في حقيقتيهما ودلالتيهما وهل يختلفان في الحكم من حيث المفطرية او لا؟
وقبل الخوض في حكم الدخان والتدخين هنالك مقدمات لابد من الاشارة اليها؛
ان الصوم في حقيقته اللغوية والشرعية هو الامساك أي التوقف عن امر كان يؤديه الممسك وتوقف عنه بالامساك.
فالصوم هو الامساك عن امور معينة حددها المشرع في زمان معين وهو نهار الصوم فيسمى بذلك صائما فالاصل اباحة الاشياء الا ما حدده المشرع في نهار الصوم وسأتي انه حصرها وبينها وبين حدودها فما لم يحدده الشارع ولم يبينه لا يعد من المفطرات التي يجي الامساك عنها في نهار الصوم فالمفطرات امور وجودية طلب المشرع تركها في نهار الصوم.
في بيان حد المفطرات وحصرها بأمور ومعنى ذلك :
ورد عنهم عليهم الصلاة والسلام :
محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، وبإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، وبإسناده عن علي بن مهزيار جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء .
التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ ،
الاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤
الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٦عن محمّد بن مسلم
.
عن النضر ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر( عليه السلام ) قال : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والارتماس في الماء ، والنساء ، والنحس من الفعل والقول .
نوادر أحمد بن محمد بن عيسىٰ : ٢٣ / ١٢
.
أدنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة وهي النية وترك الكذب على الله و على رسوله، ثم ترك الأكل، والشرب، والنكاح، و الارتماس في الماء، واستدعاء القذف، فإذا تم هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤديا لفرض الصوم، مقبولا منه بمنة الله تعالى.
الفقه الرضوي ص 203 المؤتمر العالمي للإمام الرضا (ع) - مشهد المقدسة شوال 1406
عنه البحار ج 96 ص 275
تعد هذه الروايات المباركة من الاصول التي يرجع اليها فيما يشك كونه من المفطرات وقد حصرتها بامور فالروايات دلالتها واضحة في بيان الامور الرئيسية للمفطرات ولعل عدم ذكر المفطرات الاخرى المذكورة في باق الروايات انها تعود اليها بشكل من الاشكال او تقوم مقامه كالغبار والاحتقان والكذب على المعصوم صلوات الله وسلامه عليه
.
حقيقة الدخان وماهيته .
ا لدُّخَانُ في اللغة : ما يتصاعد عن النار من دقائق الوقود المحترق وغير المحترق كليا .
فالدخان غالبا مايكون متصاعدا ومصحوبا بالنار او الجمر او الحرارة المؤدية لاحتراق الاشياء فما يتصاعد من تلك الاشياء المحترقة من الدقائق هو ما يسمى بالدخان وتختلف كثافته بحسب تلك الاشياء واحتراقها الكلي او الجزئي
وهو غير الغبار الذي هو ما دقّ من التراب أَو الرماد او غيرهما كدقيق الحنطة او الشعير او باق الحبوب المطحونة وما شابهها فالغبار هو تلك المواد المتطايرة بنفسها لو اثارتها الرياح او الكنس او ذرها في الجو فلا يقال لما يتطاير من التراب دخان التراب بل يقال غباره فالدخان بذلك ارق واقل كثافة من الغبار كما هو معلوم وظاهر ومشاهد في العيان
.
فما يتصاعد في الجو من الامور المحترقة سواء كانت بعود يحترق او مجمرة يتجمر بجمرها او سكار يحترق او غيرها فهي كلها دخان نعم قد تختلف كثافته كما قلنا بحسب الامور المحترقة فقد يكون كثيفا غليضا او رقيقا
فدخان السكائر ونحوها هو من اشكال التدخن وبهذا المعنى الاول الذي ذكرناه سابقا لا يختلف عن المعنى الثاني حقيقة نعم سبيل ادخاله الى الحلق وكيفيته قد تختلف فقد يدخله المستنشق بكثافة او يشمه بلطافة او يستنشقه بقوة وهو بكل الاحوال لا يعدو ادخال الدخان الى الحلق وحاله يستبين من حكم المشرع عليه كونه من المفطرات ومما يمسك عنه في نهار الصوم :
.
ما ورد في الدخان من الروايات :
.
وبإسناده عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد ، عن الرضا ( عليه السلام ) قال : سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه ؟ قال : جائز ، لا بأس به .
التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ١٠٠٣
.
محمّد بن علي بن الحسين قال : سُئل الصادق ( عليه السلام ) عن المحرم ، يشمّ الريحان ؟ قال : لا ، قيل : فالصائم ؟ قال : لا ، قيل : يشمّ الصائم الغالية والدخنة ؟ قال : نعم ، قيل : كيف حلّ له أن يشمّ الطيب ولا يشمّ الريحان ؟ قال : لأنّ الطيب سنّة ، والريحان بدعة للصائم
الفقيه ٢ : ٧١ / ٣٠٢ ، المحاسن : ٣١٨ / ٤٣عن بعض أصحابنا ، رفعه ، عن حريز
.
وبإسناده عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد ، عن الرضا ( عليه السلام ) قال : سألته عن الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ فقال : جائز ، لا بأس به ، قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال : لا بأس
التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ١٠٠٣
.
في ( الخصال ) عن أبيه ، عن السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمّد بن علي ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن أيّوب ، عن عبد السلام الإِسكافي ، عن عمير بن ميمون وكانت بنته تحت الحسن ، عن الحسن بن علي ( عليهما السلام ) قال : تحفة الصائم أن يدهن لحيته ، ويجمر ثوبه ، وتحفة المرأه الصائمة أن تمشط رأسها ، وتجمر ثوبها .
الخصال : ٦١ / ٨٦ .
.
دلالة الروايات
الرواية الاولى : ((الصائم يتدخّن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه ؟ قال : جائز ، لا بأس به . ))
الظاهر منها هو تعمد السائل وتقصده بان يتدخن بعود او غيره ومنه نعلم ان الصائم لو اشعل عود من البخور او غصن ذا رائحة طيبة واراد تطييب ثوبه وادخل دخان ذلك البخور او الغصن في حلقه لم يبطل صومه بل لم يقل الامام بكراهته بل صرح بجوازه وعدم البأس فيه ومنه لو استنشق الصائم دخان السكائر التي قد تكون الطف من دخان البخور وبعض الاغصان المحترقة جزئيا
فالرواية شاملة ونصا في دخان السكائر ونحوه لانه داخل في حكم (( او غير ذلك ))
.
الرواية الثانية : (( قيل : يشمّ الصائم الغالية والدخنة ؟ قال : نعم )) وهي ظاهرة في تعمد الصائم ادخال الدخان بشمه اياه وهو دخان ولم تميز الروايتان السابقتان بين انواع الدخان لا كثيفه ولا غليضه ولا لطيفة
.
والرواية الثالثة : هي الرواية الاولى باضافة
.
الرواية الرابعة : ((تحفة الصائم أن يدهن لحيته ، ويجمر ثوبه ، وتحفة المرأه الصائمة أن تمشط رأسها ، وتجمر ثوبها .))
وهي ظاهرة في جواز تجمير الصائم لثوبه ومن المعلوم كثافة وغلظة دخان المجمر وحتى لو لم نقل بغلظته فهي ظاهرة في جواز ذلك للصائم وهي ظاهرة في حال تلبس الصائم بفعل التجمير حال صومه بدلالة الفعل فصدور الفعل وهو التجمير حال كون الفاعل صائما
.
فالروايات ظاهرة وصريحة في جواز ادخال الصائم الدخان في حلقه واستنشاقه وهي لم تفرق بين الغليظ منه وغير الغليظ وما ذكره بعض الاعلام رحمهم الله كصاحب الوسائل لا وجه له
(( أقول : هذا محمول على الغبار والدخّان غير الغليظين )) وسائل الشيعة - ج ١٠ ص 70 وهو تكلف منه رحمه الله فلم يرد نص يميز بين الغليظ وغيره
والروايات لم تتعرض للكمية التي يدخلها الصائم في حلقه من الدخان كما لم تتعرض للنوع ومن الواضح لو ثبتت مفطرية القليل منه ثبتت مفطرية الكثير كما لو ثبتت مفطرية غير الغليظ تثبت مفطرية الغليظ وفي المقام لم يثبت أي شيء من ذلك
.
مسائل ونقاشات على مبان ٍ مختلفة :
.
1- سيرة المتشرعة استقرت على التحرز عن دخان التتن حال الصوم، بحيث أصبحت المفطرية مرتكزة في أذهانهم.
ولكن هذا الدليل واهٍ أيضاً، لأن سيرة المتشرعة لا قيمة ذاتية لها، وإنما قيمتها بأنها تمثل انعكاساً لقول المعصوم أو فعله أو تقريره، وهذا يفترض اتصال هذه السيرة بزمن المعصومين، ومن الواضح أن التدخين بغير التتن ليس أمراً مألوفاً ليحرز استقرار السيرة زمن المعصومين على تجنبه أثناء الصوم، والتدخين بالتتن وإن صار مألوفاً لكنه أمر حادث جزماً في زمن متأخر عن المعصومين، فلن يكون لاستقرار السيرة على تجنبه قيمة تذكر، لأن أحكام الشريعة لا تؤخذ من العرف ولا من طريقة المتدينين إذا لم تكن مستمدة من الشارع. بالاضافة الى ان هذه السيرة مخالفة لما ورد عنهم من ان الدخان بحد ذاته غير مفطر كما نصت عليه الروايات فمن اين استمد المتشرعة هذه السيرة وايضا ان المتشرعة ليسوا مجمعين على هذه السيرة فقد ورد عن اكابر اعلام الطائفة خلاف هذه السيرة
فالذين أختاروا عدم المفطرية وأفتوا بها كما هو صريح كلماتهم أو ظاهرها، السيّد العاملي في المدارك، والمحقق السبزواري في الذخيرة ص:499، وقد نقله عن بعض الفقهاء واستحسنه. ويظهر ذلك من الفيض الكاشاني في المفاتيح1/248، وغيرهم من الأعلام، وألّفت مصنفات ورسائل انتصاراً لهذا القول منها :
,
أ. «كشف الأوهام» في حلية شرب الغليان في شهر الصيام، من تأليف الميرزا محمد تقي النوري الطبرسي(الذريعة:18/22).
ب. «درة الإسلام» في حكم دخان التنباك وأنه لا يضر بالصيام، من تأليف الميرزا محمد بن عبد الوهاب الكاظمي(م.س:8/90).
ج. رسالة في عدم مفطرية شرب التتن، من تأليف المحقق الشيخ محمد تقي الأصفهاني صاحب »هداية المسترشدين«، الحاشية المعروفة على المعالم(م.س:15/238).
د. الدخانية: في عدم مفطرية الدخان للصيام، من تأليف السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني(م.س:8/50)
.
وممن كان لا يرى مفطرية الدخان العلامة المجلسي، وينقل عنه تلميذه السيد نعمة الله الجزائري ، بأنه:«كان يشربه في صوم التطوع ويترك استعماله في الصوم الواجب حذراً من كلام العوام..».
الأنوار النعمانية(4/55)
وذهب الميرزا محمد تقي النوري، وهو من تلامذة صاحب الرياض، إلى أبعد من المجلسي، فقد كان كما نقل التنكابني« يشرب النرجيلة في شهر رمضان على المنبر ولا يرى الدخان مفطرا». وقد انتقده التنبكاني على ذلك مع إقراره بأن رأيه على مقتضى القاعدة وأنّه سبقه إليه الشيخ حسن بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاحب المدارك وجمع آخر.
قصص العلماء، ص:160
وقد اختار هذا الرأي من المعاصرين الشيخ محمد جواد مغنية وغيره من أهل العلم.
.
فالاحتجاج بسيرة المتشرعة احتجاج واه ولا يمكن الاعتماد عليه لما مر.
.
2- ومما استدل به على مفطرية التدخين: أنه لا ريب في مفطرية الشرب، وتناول الدخان يطلق عليه شرب عند العرب
(المستند للنراقي:10/230).
ولكن هذا الاستدلال واه جداً، ولذا لم يستدل به معظم من قال بمفطرية التدخين، إذ من الواضح والجلي عدم صدق الأكل والشرب على التدخين كما يقول السيد الخوئي
(مستند العروة،م.س:153)،
وإذا ما أطلق العرف على المدخن بأنه شارب الدخان، فإنه إطلاق مجازي وليس حقيقياً، لأن الشرب عند العرب هو تناول المائعات
(المفردات:257، المصباح المنير:308)
، ويشهد لذلك أن العرف لا يقول للمدخن بأنه شارب على نحو الإطلاق، بل يقول له شارب الدخان، ولو قال شخص إني رأيت فلاناً يشرب ثم فسّره بأنه رآه يشرب الدخان، لكان ذلك مثار استهجان العرف، وهذا بخلاف شارب الماء أو غيره من المائعات، فإنه يقال له شارب على نحو الإطلاق، وعلى هذا الأساس، فالشرب لا يشمل جذب الدخان بواسطة الفم إلا بالعناية والمجازية التي لا تحمل النصوص عليها إلا بدليل، وهو مفقود.
ومنه يتضح عدم صدق الأكل على التدخين، بل دعواه أوهن من دعوى صدق الشرب عليه.
.
3 - الاستدلال بما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسى عن سليمان بن حفص (جعفر) المروزي قال: سمعته يقول:« إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمداً أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار، فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح».
(الوسائل الباب 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث1).
وتقريب الاستدلال: أن هذه الرواية وإن وردت في الغبار، لكن المستفاد منها أن كل ما يدخل في جوف الإنسان ما عدا الهواء الذي لا بدّ منه فهو مفطّر، وحكم الدخان كحكم الغبار، هكذا ذكر
ولكن هذا الاستدلال غير تام لعدة اعتبارات:
أ- على مبنى الاصوليين إنها ضعيفة السند، من جهة إضمارها الذي لا علاج له بعد عدم كون المضمر من الأجلاء، ومن جهة أنّ المروزي إن كان هو سليمان بن جعفر كما هو الموجود في الوسائل فهو مجهول، ولا وجود له في كتب الرجال، وإن كان هو سليمان بن حفص كما هو الموجود في المصدر وهو التهذيب واستظهره السيد الخوئي لبعض القرائن، فهو لا توثيق له أيضاً إلا كونه من رجال كامل الزيارات، وهو غير كافٍ للوثاقة، وقد تراجع السيد الخوئي عن القول به.
ودعوى أن الشهرة جابرة لضعف السند مدفوعة صغرى وكبرى، أما صغروياً فلعدم ثبوت كونه خبراً من جهة الإضمار، وعدم ثبوت عمل المشهور به، كيف وقد خالف المرتضى والصدوق والطوسي
(مستند العروة، الصوم1/144)،
وأما كبروياً، فلما حقق في محله من أن الشهرة لم يثبت أنها تجبر ضعف السند.
وعلى كل حال ان ان فرضنا صحتها فانها في دلالتها امور سأتي ذكرها
ب- إن هذه الرواية معارضة برواية عمرو بن سعيد عن الرضا(ع) قال: «وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال: لا بأس» التي تم ذكرها سابقا
(الوسائل م.س، الحديث2).
ومخالفتها واضحة في امر الغبار والدخان كما مر
ج - ومما يوهن رواية المروزي اشتمالها على ما لا يقول به أحد من مفطرية الاستنشاق والمضمضة وشم الرياحين، وقد أجيب على ذلك بأن اشتمال الرواية على ما لا يمكن الأخذ بظهوره لقرينة قطعية خارجية، لا يستوجب رفع اليد عن ظهور غيره في الوجوب، فالأمر بالكفارة في هذه الرواية محمول على الاستجباب فيما عدا الغبار، للعلم الخارجي بعدم البطلان، وأما فيه فيبقى الأمر على ظاهره في الوجوب.
(مستند العروة ).
ولكن التفكيك بهذا الشكل إنما يتم بناءً على حجيّة خبر الثقة، وأما بناءً على أن الحجة هو الخبر الموثوق فلا مجال للتفكيك المذكور، لأن تضمن الخبر على ما لا يمكن الأخذ بظاهره يكون عاملاً سلبياً مانعاً من حصول الوثوق بالخبر.
د - ومع قطع النظر عما تقدم، فإن المستفاد من الرواية مفطرية الغبار، وإلحاق الدخان به قياس واضح، وقد نهينا عنه، ولا يمكن إلغاء خصوصية الغبار كما جاء في الرواية وإلحاق الدخان به ، بملاحظة أن الغبارلا ينفك عن وجود أجزاء ترابية صغيرة تدخل في الحلق، وهي غير موجودة في التدخين، ولهذا فدعوى أن المستفاد من الرواية أن كل ما يدخل في الحلق غير الهواء مفطر وأن ذكر الغبار من باب المثال، هي دعوى خالية عن كل شاهد، كما اعترف به السيّد الخوئي في المستند وغيره.
4 - مناقشة رواية التهذيب في مسألة شم الرائحة الغليظة التي قد يستدل بها لبعض :
محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن عيسى ، عن سليمان بن جعفر المروزي قال : سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتاً فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن ذلك له مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح .
التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١
قال صاحب الحدائق : أقول: لا يخفى انه يمكن تطرق الطعن إلى هذه الرواية من وجوه: احدها جهالة السائل والمسؤول فلعل المسؤول غير امام، وجهالة المسؤول كما في الاضمار ونحوه إنما يتسامح بها مع معرفة السائل والوثوق به من كونه لا يعتمد في امور دينه وأحكامه على غير الامام كما صرح به أصحابنا (رضوان الله عليهم) في قبول المضمرات والمرسلات اما إذا كان مجهولا بالمرة كهذا الراوى فلا. وثانيها المعارضة بموثقة عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: ” سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه ؟ قال جائز لا بأس به. قال: وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه ؟ قال لا بأس “.والجمع بين هذا الخبر وبين الاول بحمل الاول على الغبار الغليظ والثانى على ما ليس كذلك كما ذكره صاحب الوسائل مع كونه لا دليل عليه – مردود بان الغبار نوع من المتناولات فان كان مفسدا للصوم فلا فرق بين قليله وكثيره وإلا فلا وجه للافساد به. وثالثها صحيحة محمد بن مسلم الدالة على انه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام والشراب والنساء والارتماس وموثقة مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) ” ان عليا عليه السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم ؟ قال ليس عليه قضاء لانه ليس بطعام “.
ورابعها- ان الخبر المذكور قد دل على وجوب الكفارة بمجرد المضمضة والاستنشاق ولا قائل به والاخبار ترده: ففى صحيحة حماد عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه السلام ” في الصائم يستنشق ويتمضمض ؟ قال نعم ولكن لا يبالغ “. وفي رواية زيد الشحام عن أبى عبد الله عليه السلام ” في الصائم يتمضمض ؟ قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات ” قال الشيخ في التهذيب بعد نقل الرواية: وقد روى مرة واحدة. وما أجاب به في الوسائل من حمل الخبر على تعمد ايصال الماء إلى الحلق مردود أولا بان تعمد ابتلاع الماء الموجب للقضاء والكفارة بلا خلاف لا ترتب له على خصوصية المضمضة والاستنشاق ليرتبه عليه هنا بل في أي حال فعل ذلك فانه يجب عليه القضاء والكفارة بلا اشكال. وثانيا ان تقديره تعمد إيصال الماء إلى الحلق في الخبر اما أن يستند فيه إلى قوله ” متعمدا ” أي متعمدا ايصال الماء إلى الحلق، وفيه ان هذا يكون من قبيل الالغاز الخارج عن الحقيقة والمجاز فان ” متعمدا ” في الخبر قيد في المضمضة والاستنشاق حيث انه حال من الصائم الذى هو فاعل ” يتمضمض ويستنشق ” فصرفه إلى ما ذكره يكون من قبيل ما ذكرناه وهو مناف لحكمة التعليم والافهام بل مخل بمعنى الكلام وموجب لانحلال الزمام واختلال النظام، واما ان يقدره في الكلام من خارج من غير أن يكون في الفاظ الخبر دلالة عليه ولا اشارة إليه، وحينئذ يلغو ذكر ” متعمدا ” في الخبر ويصير ذكره بغير فائدة، لانه يصير حاصل المعنى حينئذ إذا تمضمض الصائم أو استنشق وقصد إيصال الماء إلى الحلق فعليه الكفارة، إذ الفرض ان هذا القائل قائل بجواز المضمضة والاستنشاق بقول مطلق وانما يمنع منهما إذا قصد بهما إيصال الماء إلى الحلق، فحاصل معنى الخبر على ما يقول به هو ما ذكرناه وحينئذ فذكره عليه السلام ” متعمدا ” في الخبر يكون لغوا لا فائدة فيه ولا أظنه يلتزمه. وبالجملة فما ذكره في الجواب لا أعرف له وجها من وجوه الصواب. وغاية ما تدل عليه الاخبار هو انه ربما سبق الماء إلى حلق الصائم لا عن تعمد، وانه إذا كان كذلك في وضوء النافلة فعليه القضاء خاصة واما في وضوء الفريضة فلا شئ عليه: ففى صحيحة حماد عن ابى عبد الله عليه السلام ” في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل حلقه الماء ؟ فقال ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شئ وان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء ” ومثلها موثقة سماعة. وبذلك يظهر لك ان الخبر من ما لا يصلح للاعتماد عليه ولا الاستناد في حكم مخالف للاصل إليه، وبه يظهر قوة القول الاخير.
الحدائق الناضرة ج 13 ص 72 - 74
وبغض النظر عن النقاش والاعتبار السندي للرواية الذي تعرض له الشيخ البحراني فان الرواية في حد نفسها ومضمونها معارضة بروايات في كل شطر منها المضمضة والاستنشاق في حد ذاتهما بينتها باق الروايات وذكرت التفصيل فيها وان مجرد المضمضة والاستنشاق لا يبطل الصوم فكيف بترتب الكفارة عليه اما مسألة الغبار فهي معارضة ظاهرا برواية ينقلها صاحب التهذيب نفسه عن الامام الرضا عليه الصلاة والسلام التي مر نقاشها سابقا ومحاولة الجمع بينهما في مسألة الغبار
اما في شم الرائحة الغليظة فتكاد تكون الرواية الوحيدة التي تذكر هذا المصطلح وهو الرائحة والرائحة كما هو معلوم يطلق على كل ذي رائحة من طيب او غيره والرائحة قد تتصف بالقوة او الخفة وما شابه ذلك لكن اتصافها بالغلظة قد يراد به الشدة والقوة او حمله بعض اجزاء مادة الرائحة وهو الاقرب
فالروايات التي تعرضت لانواع الطيب والرياحين لم تميز بين شدة الرائحة وخفتها وغلظتها فهي ظاهرة في دلالتها على الاباحة والجواز فان كانت دلالة رواية التهذيب ما يعارض تلك الروايات الظاهرة بالاباحة والجواز حملت دلالة رواية التهذيب على الكراهة الشديدة فان قلت ان ترتب الكفارة ينافي ذلك رد ذلك بارادة الشدة في الكراهة واستحباب الكفارة وهو ظاهر في المضمضة والاستنشاق وباق الروايات التي جوزت شم الطيب مطلقا.
فان قلت ان الرواية مخصصة لعموم روايات الطيب والريحان - ولم يقل به احد - على ان المراد من الغلظة هو الشدة قلنا ان الرواية عامة حتى في الروائح غير الطيب والعطر المحبب الى الناس ولم يقل احد بان الروائح الشديدة من المفطرات ولم تتعرض لها الروايات بهذا العنوان
بقي ان المراد من الغلظة هنا اشتمال الرائحة على بعض اجزاء المادة العطرية وهي كالمسحوق في بعض انواع المسك واجزاء الورق المطحون كما في بعض اوراق الرياحين المسحوقة او اشتماله على بعض اجزاء المادة السائلة الدهنية او المائية كما في ماء الورد ودهنه وهو اقرب الاحتمالات فقد ورد
عن الصادق عليه الصلاة و السلام: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وفرجك ولسانك. وتغض بصرك عمالا يحل النظر إليه، والسمع عما لا يحل استماعه إليه واللسان من الكذب والفحش ومنه: قال الصادق عليه السلام لا بأس أن يشم الصائم الطيب إلا المسحوق منه لأنه يصعد إلى دماغه.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٣ - الصفحة ٢٩٥
والشيخ الصدوق في الفقيه :
ولا بأس أن يزق الفرخ ويمضغ الخبز للرضيع من غير أن يبلع شيئا ولا بأس بأن يشم الطيب إلا المسحوق منه فإنه يصعد إلى دماغه ، ولا بأس بأن يذوق الطباخ المرق وهو صائم بلسانه من غير أن يبلعه ليعرف حلوه من حامضه
كتاب من لا يحضره الفقيه - ج ٢ ص 112
فيكون المنع من هذه الجهة أي منجهة اشتماله على بعض هذه الاجزاء لا من جهة الرائحة والطيب بدلالة العموم المتعلقة بجميع انواع الروائح فالعبرة لا بكونه رائحة بل بحمله تلك الاجزاء هذا اوجه ما تحمل عليه دلالة لفظ الرائحة الغليظة وهي لا تتنافى ولا تتعارض مع باق الروايات
وعلى كل حال الرواية لم تتعرض للدخان وادخال الدخان تحت عنوان الرائحة الغليظة تكلف وتحميل للنص خصوصا ان باق الروايات بينت حكمه والرواية كما مر فيها اشكالات وغير تامة في دلالتها على المطلوب في كل فقرة منها فعرضها على باق الروايات المشهورة كما ورد عنهم عليهم الصلاة والسلام هو السبيل للعمل بها او التوقف فيها ورد علمها اليهم عليهم الصلاة والسلام
5- البعض يستدلون بحرمة التدخين على مفطريته :
يرى البعض أن في التدخين عنوانين يفرضان تحريمه حرمة تكليفية؛ أحدهما عنوان عام لا يختص بصيام رمضان، والثاني عنوان خاص بشهر رمضان.
أما الأول: شهادات أهل الخبرة التي تفيد بشكل قاطع أن شرب الدخان مضر بصحة الإنسان ضرراً بالغاً، ما يوجب حرمته مطلقاً في شهر رمضان أو غيره، وإن كان هذا لا يوجب بطلان الصوم، لعدم الملازمة بين الحرمة والبطلان، وإن توهمه العوام، لكنه توهم واضح الفساد عند أهل العلم، فكما أن السرقة في شهر رمضان محرمة لكنها لا تبطل الصوم، فكذا التدخين.
وأمّا الثاني: بما أنه ارتكز في أذهان المتشرعة أن التدخين بمثابة سائر المفطرات كالأكل والشرب، وبتعبير المحقق العراقي أنه «من شؤون المفطرين ولو كان تداوله في غير زمن المعصومين»، ولهذا يعُدّ المتجاهر به في نظر المتدينين، بل وغيرهم، منتهكاً لحرمة الشهر، ومسقطاً لحرمة نفسه، وواضعاً لها موضع التهمة، فاللازم على الصائم بالعنوان الثانوي ترك التدخين، وإلا كان آثماً لانتهاك حرمة الشهر وإسقاط حرمة نفسه.
ونقاش هذا الرأي يبتني على عدة امور نوجزها بما يأتي اولا حرمة التدخين : لا يمكن اثبات حرمة التدخين الا بما ورد عنهم عليهم الصلاة والسلام انه لا يجوز للمؤمن ان يتلف نفسه او يقتلها او يضر بها ضررا يؤدي بها الى القتل او التلف وعلى هذا لا يمكن اطلاق حكم حرمة التدخين بشكل عام بل حاله حال ما يؤدي الى التلف من باق المواد وهذا يختلف من شخص الى اخر ومن مادة الى اخرى وبكميات مختلفة وغيرها فاثبات الحرمة وان كان فيه نظر الا انا لو فرضنا الحرمة فلا ملازمة بين الحرمة والمفطرية كما مر كما هو حال السارق في نهار الصوم
اما ما نقل عن المحقق العراقي من التجاهر بالتدخين يعد انتهاكا لحرمة الشهر وانه ليس من شؤون الصائم فهذا كله مبتني على اصل مفطريته ومنعه في نهار الصوم
6- ما يصاحب التدخين من ترطب ما يسمى بالفلتر :
مسألة ادخال شيء رطب في الفم واستنشاق الدخان مسألتان متغايرتاد ودليل كل واحد منهما يختلف عن الاخر فالكلام عن الدخان مر ذكره اما عدم جواز ادخال الشيء الرطب الى الفم فالشيء بما هو رطب أي غير حامل للاجزاء المائية فقد ورد جوازه كما هو حال المضمضة والسواك الرطب
وبهذا الإِسناد قال : قال علي ( عليه السلام ) : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أوّل النهار وآخره ، فقيل لعلي في رطوبة السواك ، فقال : المضمضة بالماء أرطب منه ، فقال علي ( عليه السلام ) : فإن قال قائل : لا بدّ من المضمضة لسنّة الوضوء ، قيل له : فإنّه لا بدّ من السواك للسنّة التي جاء بها جبرئيل
قرب الإِسناد : ٤٣
عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنّه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب ، وقال : لا يضرّ أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شيء
الكافي ٤ : ١١٢ / ٣
عنه ، عن الحسن ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) : أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه ؟ فقال : لا بأس به
التهذيب ٤ : ٢٦٢ / ٧٨٢
7- قصر الحكم على الهيأآت التي ودت في الرواية مخالف للروايات نفسها فالروايات تتحدث عن المفطرات وهو ما يدخل جوف الصائم وما يضر بصحة صومه والهيأات لا اعتبار لها الا لو اعتبرها المشرع
فدخول الدخان بسبب أي كيفية سواء كان بالتجمير او التدخن بالعود او شم دخنة التطييب او غيرها لا يجعل لتلك الوسائل خصوصية وحصر للحكم بها فالمسؤول عنه هو الدخان والمجاب عنه هو الدخان لا الكيفيات والهيأات
8- اما ما قد يؤديه استنشاق الدخان من الانتعاش والاسترخاء مما يشعر بالالتذاذ به فحاله حال الرياحين فلا يثبت اكثر من حكم الكراهة في تلك الحال التي يؤدي فيها الى اللذة
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن راشد ـ في حديث ـ قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الصائم ، يشم الريحان ؟ قال : لا ، لأنّه لذّة ويكره له أن يتلذّذ .
الكافي ٤ : ١١٣ / ٥
وعن سعد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم بن عمرو ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : الصائم يدهن بالطيب ويشمّ الريحان .
لتهذيب ٤ : ٢٦٥ / ٧٩٨
ـ وعنه ، عن أبي جعفر ، عن عبّاد بن سليمان ، عن سعد بن سعد قال : كتب رجل إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) هل يشم الصائم الريحان يتلذّذ به ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا بأس به .
التهذيب ٤ : ٢٦٦ / ٨٠٣
9- والاحتياط سبيل النجاة :
قد يدعى في المقام ان الاحتياط اسلم في مسألة التدخين بهذه الكيفية المتعارفة في زمننا الحاضر كون التدخين بهذه الكيفية لم يكن متعارفا في زمن اهل البيت عليهم الصلاة والسلام وان فعله في نهار الصوم هو شبهة يتم التوقف فيها او يحتاط بتركها
وفي المقام لا بد من الاشارة الى عدة امور
انهم عليهم الصلاة والسلام بينوا ان لكل واقعة حكم في كتاب الله عز وجل وفي ما روي عنهم صلوات الله عليهم.وان الامور المشتبهة يتوقف فيها حتي يتبين حكمها فتكون في الحلال البين او الحرام البين.
وقد ورد عنهم عليهم الصلاة والسلام ان عليهم القاء الاصول وعلى شيعتهم التفريع
وقد تم البيان سابقا ان التدخين ما هو الا استنشاق الدخان بكثافة معينة وانهم قد بينوا حكم الدخان ولم يفرقوا بين غليظه او غيره فمن يدعي الاحتياط فيه والاحتياط حكم يلتزم فيه من يلتزم ظنا انه حكم ينسب الى المشرع صلوات الله عليه وهو خلاف النص الوارد عنهم عليهم الصلاة والسلام لامرين:
الاول نص الروايات التي بينت حكم الدخان صراحة وقد تم ذكرها.
الثاني ان الروايات التي بينت وحصرت المفطرات اجمالا لم تذكر الدخان كرواية لا يضر الصائم اذا اجتنب ثلاث او اربع .فالاحتياط الذي هو حكم شرعي ينسب الى الشرع محل اشكال في المقام .
نعم للصائم ان يترك هذا الفعل في نهار الصوم ان وجد في نفسه منه شيء دون ان يدعي ان الاحتياط فيه هو حكم المشرع.
وفي الختام تجدر الاشارة الى شيء مهم وهو ان ما يسببه التدخين من امراض او افات اجتماعية وصحية او مالية شيء وكونه مفطرا من المفطرات التي يجتنب عنها في نهار الصوم شيء آخر وغاية الرسالة اثبات هذا الشيء.
ولعل طبائع اغلب الناس وذوقهم يأبى ان يتقبل الصائم وهو يدخن السجائر بل قد يجد المدخن نفسه في نفسه منه شيء وكأن صيامه فيه خلل ولعل هذا ما حفز البعض للدفاع عن مفطرية الدخان دون أي دليل شرعي من الروايات ولكن كما بينا سابقا حكم استنشاق الدخان في نهار الصوم.
فهذه الرسالة همها اثبات مفطرية الدخان او عدمها بغض النظر عن الاهواء والامزجة وما يتوهمه البعض مما يشبه البراهين والادلة
والله هو العالم