إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك




محب الدين الموسوي الحلي
  
قال الشيخ المفيد في التصحيح : ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى، وكان كل ضال بالتقليد معذورا ، وكل مقلد لمبدع غير موزور وهذا ما لا يقوله أحد.

قال السيد المرتضى في الرسائل : ان كثيرا ممن نفي الاجتهاد والقياس ولم يعمل بخبر الاحاد في الشريعة لا يوجب تقليد العامي ولا العمل بقوله الا بعد العلم بصحته – الى ان قال-  لا خلاف بيننا في أن العامي ، مكلف للعلم بالحق في أصول الدين ، وهي أدق وأغمض وأوسع وأكثر شبها ، واذا جاز أن يطيق العامي معرفة الحق في أصول الدين وتميزه من الباطل ، مع ما ذكرناه من غموضه وكثرة شبهه ، فأولى أن يطيق ذلك فيما هو أقل غورا وأوضح طرقا . فان قيل : ليس يجب على العامي في أصول الدين إلا العلم بالجمل التي يشرف بها الحق ، فأما التدقيق وكشف الغامض فليس مما يجب عليه .  قلنا : وما المانع من أن نقول ذلك في الفروع والشرائع ؟ وأن معرفة الحق منها من الباطل ، يكون طريقا مختصرا لا يخرج الى التعميق والتدقيق ، يكتفي به العامي كما اكتفى بمثله في الاصول .

قال الشيخ الطوسي  في الاقتصاد : التقليد ان اريد به قبول قول الغير من غير حجة - وهو حقيقة التقليد - فذلك قبيح في العقول، لان فيه اقداما على ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلا لتعريه من الدليل، والاقدام على ذلك قبيح في العقول.


اشارات

-         قد يقال ان الشيخ المفيد يريد التقليد في العقائد و ليس في الحكام الفقهية  و فيه انه ذكر مع هذا الكلام حديثا في التقليد في الحلال و الحرام عن الامام الصادق عليه السلم انه  قال (  إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك إن الله تعالى يقول :اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ، ولكنهم أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون )
-          قول المرتضى نص في عدم تجويزه التقليد في الفروع. و ان  هذا القول للمرتضى  - اي تساوي الاصول و الفروع في قضية التقليد - كنت  قد قرأت قبل خمسة عشرة سنة و لم اجد احد اجاب عليه بشكل مقنع.
-          اقول قول الشيخ الطوسي و ان كان ظاهرا في التقليد في العقائد الا انه يجري و يشمل التقليد في الاحكام و خصوصا انه قريب من كلام المفيد و انه عادة ما يتتبع المفيد و المرتضى.  و حكي المنع عن ابن زهرة و ابن ادريس لكن لم اتحقق منه عاجلا.
-          اقول  من العلوم ان مما يستدل به على عصمة من يجب اطاعته في الدين هو العقل بانه قيبح عقلا اطاعة من يجوز عليه الخطأ، فكيف ينعكس هذا الدليل فيكون العقل دليلا على وجوب اطاعة غير المعصوم وانه يحسن عقلا اطاعة من يجوز عليه الخطأ.
قد يقال انه اذا كان كذلك الامر فلماذا كتب هؤلاء الاعلام كتب فتاوى مجردة و كانوا يفتون المستفتين و فيه انه لا دليل على ان عمله ذلك كان بقصد التقليد بل ظاهر منعهم هنا انه ليس بقصد بل لاغراض اخرى مثل الايقاض و التنبيه كما اشار الى ذلك المرتضى في الرسائل في كلامه المتقدم حيث قال : وليس لاحد أن يطعن على هذه الطريقة بأن يقول : اذا كان العامي لا يقلد العالم ولا يرجع الى قوله ، فأي فائدة في الاستفتاء الذي قد علمنا الارشاد اليه والفزع من كل أحد الى استعماله . قلنا : الفائدة في ذلك بينة ، لان قول العالم منبه للعامي وموقظ له ، أو مقر بالنظر والتفتيش والبحث ، وهل هذا إلا كمن يقول : اذا كان التقليد في الاصول لا يسوغ ، فما الفائدة في المذاكرة والمباحثة والتنبيه والتحذير .